الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
149010 مشاهدة print word pdf
line-top
التفكر في خلق الله يورث الاعتبار

...............................................................................


جعل الله تعالى فيها سمعا وفيها عينين، وفيها حواس وفيها أمعاء ولهذا تأكل وتستخرج، ولهذا أيضا تتوالد، يخرج منها بيض ثم ينمو ذلك البيض ثم يفقس ويكون مثلها، جعل الله تعالى لها أيدي وأرجلا ومفاصل تتحرك باختيارها، إذا رأيتها تسير بسرعة تعجبت كيف تقطع هذه المسافة مع صغر قوائمها، لا شك أن هذا إحكام خلق أحكمه الله تعالى فيها، وفيها عجائب من عجائب خلق الله مع صغرها، وهكذا البعوضة التي هي هذه الناموسة تسمع طنينها في الليل مع صغرها، وإذا وقعت على الجلد جعل الله لها بصرا حادا، بصرها حاد قد يكون أقوى من بصرك؛ ولهذا تعرف الأماكن الرقيقة في الجسد التي هي مسام الجسد التي هي رقيقة يخرج منها العرق؛ فلذلك لا تقع إلا على تلك المسام الصغيرة، ثم جعل الله تعالى لها هذا المخلب الذي تغرسه في الجسد وتغترف به، أو تمتص به من الدم ما تتغذى به.
قال العلماء: إن خلقتها مثل خلقة الفيل؛ الخرطوم الذي لها مثل الخرطوم الذي للفيل، وكذلك أيضا قوائمها وكذلك حواسها، لا شك أن الذي أوجدها على هذه الخلقة هو الذي يقول للشيء كن فيكون، لا يقدر الخلق أن يكونوا مثلها بحياتها مع صغرها، فهذا في صغير خلق الله تعالى، كذلك أيضا نتأمل في غيرها.
إذا تأملت في هذه الذر ونحوه؛ تجد أنها أولا تكون ذرة صغيرة، ثم بعد مدة ينبت لها أجنحة، ثم تطير، ثم يقدر الله تعالى موتها؛ جميع الذر وجميع النمل إذا قرب موته نبتت له أجنحة، وصار يطير ثم يموت، يعني: انظر كيف أنها كانت تسير على الأرض، وتحفر لها بيوتا في الأرض، وتكتن فيها وتتوالد، ثم تكون بعد ذلك طيورا تطير، ثم يأتيها منتهى أجلها الذي أجلها الله له. لا شك أن هذا دليل على حكمة الله وعظمته؛ ليتفكر العباد في هذه المخلوقات صغيرها وكبيرها.
وهكذا أيضا قد خلق الله تعالى هذه المخلوقات، فجعل منها ما يطير، ومنها ما يدب على الأرض، وتكفل تعالى برزقها؛ فإنه الذي يرزقها ويُيسر لها ما تتقوت به؛ ولهذا قال الله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ يعني هذه الدواب ييسر الله تعالى لها رزقا ويدلها عليه.
ذكروا أن النمل يتقوت من هذا البُر جعل الله له رزقا؛ فهو يأخذ هذا البر إذا تساقط على الأرض، ثم يدخله في جحره، ألهمه الله تعالى أنها إذا جاءها المطر نبتت وفسدت، فألهمها تكسرها نصفين، إذا بحث عنها وإذا هي قد فلقت الحبة نصفين حتى لا تنبت إذا جاء المطر، وبعضها قد ينبت وهو نصف فتكسره أربع كسر حتى لا تنبت. هكذا ألهمها الله. من الذي علمها أن تأخذ هذا وتجعله قوتا لها؟ ومن الذي ألهمها أنها تكسر هذه الحبوب حتى لا تفسد لتكون قوتا لها عند حاجتها؟!
وهكذا أيضا ننظر في أنها تحن على بيضها، إذا وجد لها جحر مثلا تحت أرض وكشف فإنها تهتم ببيضها وتدخله في جحرها إلى أن يفقس ثم يكون مثلها، فهذا إلهام من الله تعالى.
وهكذا جميع الدواب وجميع الطيور وجميع الحشرات تنظر في أنها ألهمها الله تعالى أن تتزاوج في وقت من الأوقات، فإذا ولدت الطيور بيضا حضنته الأم ولازمته يلهمها الله الوقت الذي يكون فيه قد انقلب فراخا، فعند ذلك تفقس هذا البيض فتخرج هذه الفراخ، وإذا خرجت وإذا هي بحاجة إلى الغذاء.
فهذه الأم وهذه الطيور تتوافد إلى هذه الفراخ وتغذيها؛ تأتي لها بالغذاء من كل جهة إذا جاءت فتحت أفواهها فتحت مناقيرها وضعت فيها ما تتغذى به إلى أن ينبت أجنحتها وتطير، ثم بعد ذلك تستغني عن أمهاتها ولا يكون بينها تعارف، لو أتيتها وهي فراخ لوجدت أمها تحوم حول الفراخ، وتعطف عليها وترق لها، وإذا طارت وكبرت لا ترق لها بعد ذلك. الله تعالى قذف في قلبها هذه الرحمة.
وهكذا أيضا بقية الدواب جعل الله تعالى لها هذه المعرفة، في أنها تتزاوج وتتوالد وتنمو حتى يوجد ما قدر الله تعالى إيجاده في هذه الدنيا. لا شك أن لله تعالى فيها حكمة لو شاء لأهلكها، ولكن جعل فيها حكمة ولا يجوز أن يعترض على الله فلا يقال لماذا خلق الله الحيات والعقارب ليس فيها إلا ضرر، الله جعل فيها حكمة، ولو لم يكن إلا استحضار قدرة الخالق، كيف خلقها وفيها هذا السم وفيها هذه العداوة لمن أتى إليها، وكذلك أيضا لماذا خلق الله السباع التي ليس منها إلا الاعتداء على الدواب وعلى الممتلكات.
لا شك أيضا أن لله تعالى فيها حكمة وأنه ما خلقها إلا لأمر عظيم هيأها لأمر جسيم، وهو أن يعتبر الإنسان وأن يعرف أن له في هذه الدنيا ما يكون في مصلحته وما يكون في مضرته، وأن عليه أن يحتاط ويتحفظ على ما ملّكه الله وعلى ما يسر له، إذا سخر الله تعالى له بهيمة الأنعام التي خلقها وذللها للإنسان، فإن عليه أن يعرف أن الله الذي خلقها وهو الذي تكفل برزقها، وأنه أيضا خلق لها أعداء، خلق لها هذه السباع كأعداء تفترس منها ما تجد، فكما أنه جعل للسباع رزقا وقوتا من هذه الحيوانات، فكذلك أيضا جعل للإنسان رزقا وقوتا وغذاء من هذه الحيوانات ومن غيرها، وأمره بأن يتفكر في خلق الله تعالى ويأخذ من ذلك عبرة وموعظة.
ذكر الله تعالى أنه لما أنجى نوحا في السفينة، أمره بأن يحمل من كلٍّ زوجين اثنين فحشر الله تعالى له الوحوش، كل الوحوش وكل الحشرات وكل الحيوانات حمل منها ذكرا وأنثى فحمل من الإبل ذكرا وأنثى حتى تتوالد ومن البقر كذلك ومن الضأن ومن المعز وما أشبه ذلك، ذكروا أنه قال: يا ربي كيف أحملها وأحمل أعداءها؟ يعني كيف أحمل الغنم والسباع وبينها عداوة، فقال الله: أنت الذي جعلت العداوة أم أنا؟ فقال: بل أنت يا رب. فقال: إني سأجعل بينها ألفة حتى لا تتعادى ولا يعتدي بعضها على بعض، فكانت الغنم والسباع في السفينة سواء هذا هو المشهور، وإن كان بعض العلماء قال: إنها طبقات إنه جعل طبقة للطيور وطبقة للحشرات والسباع ونحوها وطبقة للإنسان وبهيمة الأنعام، ولكن ما ذكر الله إلا أنه أمره بقوله: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ فحمل الله أو حشر الله له هذه الوحوش وألف بينها، حمل من الطيور من كل زوجين اثنين.
وكذلك من الحشرات أيا كانت تلك الحشرات حتى الذر والنحل والبعوضة وما أشبهها وكذلك من سائر الحيوانات أمره الله تعالى، فحمل من كلٍّ زوجين اثنين؛ لحكمة وهي: ألا تنقطع أي توجد بعد ذلك. الله تعالى قادر على أن يخلقها خلقا جديدا ولو انعدمت، والله لما خلق الأرض بث هذه الدواب، فيها، كما في قوله تعالى: وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ أي: نشر فيها هذه الدواب في أرجائها .
لهذا أخبر بأنه تكفل برزقها وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا يأتيها رزقها ويأتيها غذاؤها.
ولو تفكر الإنسان في ذلك لرأى عبرا، كما ذكروا أن طائرا انكسر في مكان، فسخر الله له طيورا تأتيه برزق إلى أن أتاه أجله، وكذلك كثير من الحشرات يسر الله تعالى لها رزقها؛ ولهذا لا يوجد سبع مات جوعا ولا صيد من الوحوش مات من الجوع، لا تجد مثلا ظبيا أو وعْلا مات هزالا أو مات من الجوع، الدواب التي سخرها الله تعالى للإنسان قد تموت من الهزال؛ وذلك لأن الله تعالى ألهم الإنسان أن يسعى في قوتها في غذائها، وإن كانت ترعى إذا تيسر المرعى، ترعى ولكنها ليست مثل الدواب التي تذهب في أماكن بعيدة وتتقلب؛ لأنها ملك للإنسان، فألهمه الله بأن يعلفها ويطعمها عند الحاجة حتى لا تموت هزالا.
وأما بقية الحشرات فقل أن تجد منها حيوانا ميتا، هل وجدت غرابا مات جوعا؟ أو وجدت حماما مات جوعا أو عصفورا مات من الجوع أو غير ذلك، لا شك أن هذا تقدير الله سبحانه؛ يدل عليه هذا النص، قول الله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا الدابة يعم كل ما يدب على الأرض حتى الطيور فإنها لا تستغني أن تقع على الأرض؛ وأن تدب يعني: تسير تطلب رزقها الذي يسره الله تعالى لها، كل ذلك دليل على عظمة الذي أوجد هذه الموجودات ويسر لها أسباب الرزق. فكذلك بقية المخلوقات.
نقول: إن هذه المخلوقات الجماد والنبات والحيوانات المتحركة وما فيها، وكذلك الدواب البحرية مع كثرتها التفكر فيها دليل على عظمة مَنْ أوجدها لم توجد أنفسها, ولم توجدها الطبائع, ولم يكن لها موجِد إلا الرب سبحانه وتعالى, ولهذا يخاطب عباده بقوله: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أي لم يُخْلَقُوا من غير شيء ولم يكونوا هم الخالقين, فلا بد لهم من خالق.
وكذلك هذه الدواب ما خلقت من غير شيء بل لها خالق خلقها, وكذلك جميع ما على الأرض لها خالق خلقها؛ فيتفكر المسلم في ذلك ويعرف عظمة الخالق, فيعظمه حق التعظيم, ويصرف له جميع أنواع العبادة, وجميع الطاعة. نستمع إلى كلام أبي الشيخ .

line-bottom